17 أغسطس سلجاندر: هناك فرصة لحوار الأديان
دعا عضو الكونغرس الأميركي السابق مارك سلجاندر إلى تعميق البحث عما يجمع بين المسيحية والإسلام لتعزيز الجسور بين الديانتين بما يخدم العلاقات بين البلدان والشعوب.
وقال سلجاندر صاحب كتاب “سوء تفاهم قاتل” في حوار مع الجزيرة نت إن العودة إلى الأصول اللغوية للنصين التأسيسيين (القرآن الكريم والإنجيل) تكشف عن تشابهات ونقاط مشتركة كثيرة من شأنها أن تكون أرضية لتطوير الحوار.
ويرى سلجاندر (58 عاما) الذي سبق له أن شغل منصب سفير لبلاده لدى الأمم المتحدة بين عامي 1987 و1988 أن تولى باراك أوباما، الذي ينحدر من أب مسلم، لرئاسة الولايات المتحدة يمثل فرصة غير مسبوقة للدفع بالحوار بين الإسلام والغرب. وفي ما يلي النص الكامل للمقابلة.
بعد نحو عقد من البحث في العلاقات بين الأديان التوحيدية وخاصة الإسلام المسيحية ألفت كتابا بعنوان “سوء تفاهم قاتل” انطلاقا من أبحاثك ورحلاتك الكثيرة في العديد من بلدان العالم ماذا يفرق وماذا يجمع المسيحية والإسلام؟
مارك سلجاندر: إن سبب اختياري لعنوان ذلك الكتاب هو وجود سوء تفاهم قاتل بين الإسلام والمسيحية. وأنا أعتقد أن ما يفرقنا هي قضايا دينية والطريقة التي تم بها استغلال تلك الخلافات عبر التاريخ من أجل التفرقة بين الناس.
أما بخصوص ما يجمعنا فإذا قارنا اللغة الآرامية باللغة العربية، لغة القرآن الكريم فإننا سنجد مترادفات لافتة وتشابهات سمع بها الإنسان قبل أن تحدث، ثم تم التعرف عليها من جانب كثيرين.
فعلى سبيل المثال، فإن واحدة من أكبر النقاط الخلافية بين المسيحيين والمسلمين هي مسألة كون عيسى المسيح هو ابن الله (من عدمه) وإن الاعتقاد بكون المسيح هو ابن الله يعتبر هرطقة كبيرة من وجهة النظر الإسلامية، وإن المسيحيين ينظرون إلى المسلمين بأنهم هراطقة لأنهم لا يعتقدون بأن المسيح هو ابن الله.
لكن عند قراءة اللغة الآرامية فإنها تقول في الإنجيل بأن عيسى تم خلقه أو تصويره بشكل خارق عن طريق روح الله عبر مريم العذراء، وولد في الأرض بوصفه المسيح.
وعند التدقيق في الصلات بين اللغة الآرامية واللغة العربية فإنه يمكن للمرء أن يلحظ أن هناك تشابهات بين الكلمات التي تشير إلى المسيح وأن المصطلحات الموجودة لا تختلف في المعنى بنسبة كبيرة.
هل ذلك يعني أن الخلافات أو الفجوات بين الجانبين تعود لاختلاف في التأويلات وأنه بالإمكان إيجاد أرضية مشتركة للتأويل ولبدء حوار بين الديانتين؟
هذا صحيح. بكل تأكيد, وفي الحقيقة فإن مؤتمرات كثيرة سابقة ركزت على مسائل نعرفها مسبقاً مثل قصص بعض لأنبياء. وفي نهاية تلك المؤتمرات كان الناس يتفقون أو يختلفون. ومع ذلك فقد كانت دائماً هناك اتفاقات واسعة، لكن تلك الاتفاقات لم تعمر طويلا, ذلك لأنها لم تكن قوية بشكل كاف لتوقظ المسيحيين والمسلمين بحيث ينظر كل منهما للآخر بشكل مختلف.
وما يحاول كتابي أن يفعله هو أن يتناول النموذج الإسلامي والنموذج المسيحي كي يعزز نظرة داخلية بين كتابيهما المقدسين, عن طريق مزيد من التفسير الواضح.
وعندئذ سنلحظ أن كتابينا المقدسين لا يحتويان اختلافات كثيرة وسينتبه كل منا للآخر، وأما أنا فأنظر إلى المسلمين نظرة مختلفة الآن, ذلك لأنني كنت في السابق اعتقد بأن القرآن الكريم على خطأ, ذلك لأنني لم أكن قد قرأت القرآن الكريم، ولما بدأت أقرأ القرآن وجدته يقول أشياء جميلة ومدهشة عن المسيح وعن إبراهيم, ولدهشتي فإنني لم أجد فيه اختلافا يذكر مقارنة بالإنجيل.
وبعض الاختلافات مردها إلى اختلاف الترجمة الإنجليزية على وجه الخصوص عن اللغتين الآرامية الأصل (بالنسبة للإنجيل) واللغة العربية للقرآن الكريم.
لكن عند الحديث عن المسيحية والإسلام لا يجب أن نغفل تعدد الملل والنحل داخل كل منهما. ألا ترون أنه من شأن ذلك أن يعيق الحوار بين الديانتين؟
ج: هذا سؤال وجيه. فهناك 33 ألف طائفة في الديانة المسيحية وأنا أعرف أن هناك طوائف متعددة أيضاً في الإسلام. ولكن هناك مبادئ، مبادئ رئيسية في الإسلام والمسيحية. إذاً فما نحاول أن نفعله هو أن نقترب من المسائل الرئيسة التي يتفق عليها معظم المسلمين والمسائل الرئيسة التي تتفق عليها الغالبية العظمى من المسيحيين، فنحاول أن نردم تلك الاختلافات بين الطرفين.
لنأخذ مثلا مسألة “بنوة عيسى” فهل هناك مسلم في العالم يقول بأن عيسى هو ابن الله؟ والجواب هو: بالطبع لا. ثم هل هناك مسيحي في العالم قد يقول بأن عيسى هو ليس ابن الله؟ والجواب هو أنه لا أحد تقريبا يقول عكس ذلك.
وهناك مثال آخر وهو مسألة الثالوث (الأب، الابن وروح القدس)، فأغلبية المسيحيين وليس جميعهم، بل أغلبيتهم يعتقدون بوجود الثالوث ولكن القرآن الكريم والإسلام ينكرون ذلك.
يمكن التعامل مع تلك القضية، وذلك ببساطة بترك كلمة “الثالوث” جانباً, لأنها ليست مذكورة في الإنجيل, وما هو مذكور في الإنجيل هو: الله, روح القدس, وعيسى المسيح, كما أن القرآن يتضمن إشارات إلى نفس المسائل.
وفي نهاية المطاف فنحن غير مختلفين إزاء ما تعنيه كلمة “الثالوث” إلا أننا لم نزل نختلف بشأن معناها لأنها توحي بالطبع بأن هناك ثلاثة آلهة بدلا من واحد.
لنحاول أن نرى كيف تنعكس تلك التفسيرات عمليا من خلال ما يجري على أرض الواقع بالإشارة إلى محاضرة لبابا الفاتيكان جاء فيها أن الإسلام دين عنف وهو ما أثار ردودا غاضبة في العالم الإسلامي. هل تعتقد أنه من شأن تلك المبادرات تعزيز الحوار بين الأديان؟.
ج: أولاً, أنا لست من خلفية كاثوليكية ولست ممن ينتقد البابا، وبالرغم من أنني لست كاثوليكيا فإنني أعتقد أن كثيرا منا لديه سوء فهم إزاء الإسلام وخاصة في الغرب ونحن مشوشون بما نراه في وسائل الإعلام.
فنحن كل يوم نضجر لمشاهدة “الانتحاريين” ومعظمهم ذوو لحى ويهتفون ويطلقون النار في الهواء ويهتفون “الموت لأميركا”. فإذا كان هذا ما نراه على مدار جيل كامل، فكيف سيكون سلوكنا تجاه ذلك؟ كما أننا نسمع حديثا متواصلا عن الجهاد. فإذا كان ذلك هو كل ما نعلمه وكل ما نسمعه فكيف ستكون نظرتنا للإسلام؟ ستكون كلها عنف وسلبيات.
إن هدفي هو محاولة النظر إلى الجانب الآخر من الإسلام, النظر إلى جانب الأغلبية الصامتة, وإنني أشجع الأغلبية الصامتة من المسلمين للتحدث بجرأة ووضوح عن المعنى الحقيقي للجهاد.
إن فهمي للجهاد من خلال الإشارات الواردة في القرآن هو أنه جهاد داخلي لأجعل حياة أفضل ولأقوي إيماني بالله, وكي أحافظ على نفسي نقية بعيدا عن إغراءات الدنيا.
وفي المسيحية فالدين الحقيقي يتمثل في مساعدة الأرامل والأيتام والحفاظ على النفس نظيفة وطاهرة بعيدا عن الشوائب والآثام وشرور الدنيا. وأنا أعتقد أن ذلك هو الجهاد الحقيقي, كما أعتقد أن المتطرفين قد اختطفوا عبارة الجهاد وهبوا بها بعيدا حتى أصبحت تعني شكلا من أشكال سوء التفاهم، خاصة بين الناس في العالم الغربي.
ولكن في الغرب فإن الدين ليس هو مساعدة الأرامل وما إلى ذلك، لأنه عند التدقيق في سياسات الإدارة الأميركية فستتبدى الخلفية الدينية الإنجيلية للمحافظين الجدد ومدى تأثيرها في أسلوب التعاطي مع بعض قضايا العالم الإسلامي؟
ج: أنا لا أريد أن انتقد أي جماعة بعينها, ولكني لا أعتقد أن المحافظين الجدد لديهم بالضرورة خلفية دينية مبنية على تلك الفكرة, إنهم يفكرون استنادا لأساس فكري أو أيديولوجي. فالمحافظون الجدد يعتقدون بأن الولايات المتحدة مكلفة أو لديها واجب لمساعدة العالم لأن يصبح ديمقراطيا.
وبالطبع فأنا نفسي كنت من ضمن المحافظين الجدد في الكونغرس, ولكن وجهات نظري قد تغيرت نسبيا الآن, ولكن أيضاً فالمحافظون الجدد يدعمون الديمقراطية حول العالم، ومعظمنا بالتأكيد يتفق مع ذلك الطرح.
وأنا لا اعتقد إذا بأن هناك أساسا دينيا لدرجة أن كثيرين من الإنجيليين من المسيحيين هم أيضا من ضمن المحافظين الجدد، وربما لديهم معتقدات روحانية، لكن كثيرين من أصدقائي من المحافظين الجدد غير متدينين، ومع ذلك فهم من ضمن المحافظين الجدد. ولأجيبك على سؤالك فالمحافظون الجدد يتصرفون على أساس أيديولوجيات أكثر من كونهم أصحاب معتقدات دينية.
لكن يدعي الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بأنه تلقى وحيا بالقيام بهذه الخطوة أو تلك خاصة في العالم الإسلامي، ألا يمثل ذلك خلفية دينية لعمل سياسي؟
ج: لا أستطيع الحديث بشأن ما قال بوش أو لم يقله وبشأن أي وحي تلقاه أو لم يتلقه. أنا أعتقد أننا جميعا نبحث عن إلهام الله جل جلاله، لكي يقودنا للصراط المستقيم وأن نكون مستقيمين في الحياة الدنيا.
وأعتقد أنه لا ينبغي لنا أن نندفع لاتهام أحد دون مبرر إذا كان يشعر أنه يتلقى إلهاماً أو توجيهات للسير على نهج معين، ولكن يمكننا أن لا نتفق مع طريقة ذلك الشخص أو شخص معين فيما إذا كان يتلقى ذلك الإلهام من عدمه.
وأنا حقيقة لا أعرف عن ذلك، ولكنني أيضاً لا أستطيع أن أنتقد شخصاً يقول إنه يتلقى إلهاماً. ويمكننا في المقابل انتقاد سياساته وليس أي إلهام يكون وراءها بالضرورة.
في العقدين الأخيرين تداولت الأوساط الإعلامية والثقافية مقولات نهاية التاريخ وصراع الحضارات والبعض ذهب لحد الحديث عن صراع الأديان، فما تعليقك على هذه الأطروحة؟
ج: إن صامويل هنتغتون وبرنارد لويس ومفكرين آخرين في الغرب اعتقدوا بأن هناك نوعا من التصادم الحضاري أو الديني أو ما شابه. والبعض أدرك أن هناك مشكلة ما بين الشرق والغرب وأن هناك فجوة واسعة ما بين المسيحيين والمسلمين، وأن تلك الفجوة ليس مصدرها سوى سوء تفاهم قاتل ما بين الطرفين أو الديانتين.
وأنا في أميركا لا أستطيع الحديث نيابة عن أوروبا، فأنا أتحدث الآن عن المسيحيين في الولايات المتحدة، ومهمتي الشخصية هو أن أبدأ بتثقيف المسيحيين الأميركيين عن معرفتي الشخصية بالقرآن الكريم وإيجاد جسور أو أرضية مشتركة كفيلة بأن تجمعنا معاً بنسبة كبيرة.
أنا لا أحاول أن أخلقَ دينا عالميا واحدا، ولكنني أحاول أن أقول إن لكم ثقافتكم التي تحبونها وتستمتعون بها، وإن لي ثقافتي التي أحبها وأستمتع بها، ولكن هل يمكننا إيجاد أرضية مشتركة بين الجانبين؟ وهل بإمكاننا أن نتمتع بذلك الرباط وتلك الأرضية المشتركة بحيث يوسع كل منا مدارك الآخر وينير طريق الآخر، وبحيث يبقى كل منا يحترم الثقافة الخاصة بالآخر؟
هل ذلك ممكن في ظل الحروب والنزاعات والصراعات والأزمات الراهنة؟
ج: إن النجاح في سعينا لذلك التفاهم المشترك يحدث الآن. وإن كتابي “سوء تفاهم قاتل” يحدد ويتحدث عن قضايا عالمية حيوية هامة، ويتناول الكتاب أيضاً الأبعاد الثقافية في سبيل إستراتجية تسهم في الوصول إلى تفاهم أفضل، ما من شأنه إيجاد حلول للصراعات وفهم أفضل للثقافات. ولقد نجح ذلك المسعى في خفض حدة التوتر ما بين الولايات المتحدة وليبيا على سبيل المثال. وأنا أشعر أن لتلك الأفكار في كتابي إسهاما في حل الأزمة بين نظام القذافي والولايات المتحدة. إذاً، هل يمكن لمسعانا في التفاهم المشترك أن يقارب بين أتباع الديانتين؟ والجواب نعم إن له تأثيرا في الساحة بدليل أن هناك ملايين المسيحيين قد بدؤوا بإعادة تقييم وجهات نظرهم إزاء الإسلام، تماماً كما أفعل أنا. كما أن هناك ملايين المسلمين الذين بدؤوا يغيرون وجهات نظرهم تجاه المسيحيين.
إلى أي حد يمكن لذلك النهج أن ينجح في حل الصراع العربي الإسرائيلي؟
ج: آه، ذلك سؤال جيد جداً، إن كتابي الأول “سوء تفاهم قاتل” لا يتعامل كثيرا مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي, ولكنه يحفز على ذلك ويسعى لإيجاد نموذج للتواصل الروحي أو المعنوي، والذي من خلاله يمكن حل القضايا الحساسة، والتي يبدو أن حلها مستحيل دون ذلك التواصل.
أما كتابي الثاني الذي آمل بتأليفه إن شاء الله، فسيكون كتاباً على نفس النهج. وأسعى لأن يعالج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأما ما أعنيه بذلك، فإن كتابي الثاني سيركز على القضايا السياسية بشكل محدد، وقد لا نتمكن من جمع الإسرائيليين والفلسطينيين معاً.
لكن يمكننا أن نبدأ المشوار عن طريق التواصل الروحاني، بمعنى أن نحاول معاً دراسة كتبنا المقدسة معاً، وأن نفكر بأرضية مشتركة مع الاحتفاظ باحترام الاختلافات الثقافية للآخر، وأن نبدأ ببناء جسور الثقة والصداقة. وبعد إيجاد تلك الأرضية الصلبة، يمكننا الحديث عن القدس والمستوطنات ومن يحصل على ماذا ومتى. وسأعول كثيرا على تلك الأرضية وعلى التفاهم المشترك بدلاً من المرارة وسوء التفاهم.
ورد في القرآن الكريم والإنجيل بشكل أو بآخر بأن قلب الإنسان، مملوء بالمرض والإثم والكره وسوء الثقة. والطريق الوحيد لإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتمثل في أن نبدأ بالتعامل مع تلك النوايا والمشاعر التي تكتنف قلب الإنسان، فعندما نحاول التوفيق بين الطرفين وننجح في ذلك المسعى، فإن كل أوجه الخلافات الأخرى سرعان ما تزول ويصبح حل الصراع ممكنا.
هل تعتقدون أن الإدارة الأميركية الحالية بقيادة رئيس ينحدر من أب مسلم ستنجح في تحقيق التقارب بين الإسلام والغرب؟
ج: لا أشك في ذلك، وبما أن باراك أوباما من جذور إسلامية، بالرغم من أنه يقول بأنه مسيحي، فيبقى بإمكانه أن يفهم الإسلام، فهو (أوباما) يعتبر أحد الجسور بحد ذاتها، وأعتقد بأنه يعرف بشكل مميز كيفية التعامل مع المسلمين والمسيحيين، وربما أفضل من أي شخص آخر.
كما أعتقد أن لدينا فرصة كبيرة لم تكن متوفرة لدينا في السابق، في ظل وجود رئيس أميركي متطلع وتواق لإيجاد أرضية مشتركة بين الديانتين، وأضيف بأنه من الأفضل لنا أن نبحث في ما يقربنا من بعضنا البعض بدلاً من أن ننبشَ الأمور التي تجعل من كل منا عدوا للآخر.
وأعتقد أن أوباما يحاول بناء الجسور بين الأشياء التي نحن متفقون بشأنها، وبالرغم من أنني جمهوري، لكنني أنظر لأوباما كرئيس لي ولبلادي، وإنني أحترم وجهات نظره بشأن سياسته الخارجية إزاء العالم الإسلامي بشكل كبير.
وأذكر هنا أن رونالد ريغان كان يذكر الرب طيلة الوقت، واقتبس من كلامه الكثير ومن الإنجيل ومن العهد القديم. وباراك أوباما اقتبس من الإنجيل واستشهد بالقرآن الكريم في خطابه الموجه للعالم الإسلامي من القاهرة. ولطالما كان رؤساء الولايات المتحدة يتأثرون بالقضايا الروحية ويتحدثون عنها بشكل علني. والحقيقة أن رؤساء البلاد يؤدون طقسا دينيا في واشنطن بشكل سنوي، فكل رئيس للولايات المتحدة منذ عام 1935م كان يصلي مع الكونغرس وأعضاء مجلس الشيوخ بحضور أربعة آلاف شخص ممن يأتون من شتى أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة ويصلون معاً.
أعتقد أن الحديث عن حوار الأديان يكتسي في بعض الأحيان طابعا مثاليا، لأن ما يجري على أرض الواقع هو إراقة دماء وحروب وصراعات وتفجيرات. ألا يعني ذلك أن هناك حاجة لنهج آخر ومقاربة أخرى؟
ج: سؤال جيد، هناك أربع مسارات يمكن لنا سلوكها في العلاقات بين الدول. المسار الأول هو التحرك الدبلوماسي، كما يجري في دارفور في السودان، على سبيل المثال، فهم يحاولون إيجاد حلول للأزمة في دارفور. المسار الثاني هو المسار السياسي أي الدور الذي يمكن أن يلعبه الزعماء السياسيون. المسار الثالث هو المسار العسكري، حيث يمكن لقوات حفظ السلام الحفاظ على ما ينجزه القادة السياسيون في عملهم المشترك. أما المسار الرابع فهو المسار الاقتصادي، بحيث يمكن استخدام العقوبات الاقتصادية والتجارية كوسائل ضغط.
رغم تلك المسارات يبدو أنه ينقصنا في الولايات المتحدة المسار الروحي، وأنا أسميه المسار الخامس. وإذا كان هذا المسار الأخير لا يجري العمل به في العلن، فيمكن التعامل معه بشكل خاص، ومن وجهة نظري فإن المسارات الأربعة الأوُلى تعتبر غير فاعلة إذا كان ينقصها المكون الروحي. أقول ذلك رغم أنه في أميركا نفصل بين السياسة والدين.
لكن ذلك الفصل غير موجد في الإسلام. وحتى يحين لأميركا أن تفهم كل ذلك، فإن الطريقة المثلى للتعامل مع الإسلام تتمثل في إيجاد مستويات أساسية ومستويات روحية، وإيجاد الطريقة التي تمكن أوباما من القيام بذلك بشكل عملي، ويمكننا أن نتناقش ونتجادل كثيراً، ولكن ما لم تتوفر حركة بذلك الاتجاه فإننا سنخسر فرصة نادرة إزاء التقارب بين الشرق والغرب.
الجزيـرة
Sorry, the comment form is closed at this time.