06 يونيو أهمية الحوار من أجل علاقات دينية سوية
مكثت في جامعة كمبريدج سبع سنوات لاستكمال دراساتي لنيل درجة الدكتوراه، وشاركت إبّان تلك الفترة في منتديات حوارية بين تخصصات مختلفة في مجالات الدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية. وخرجت من تلك التجربة بوفاضٍ عامرٍ بالدروس المستفادة مفادها أن الناس يجدون ما يريحهم في ما يستخدمون من مصطلحات ومفاهيم تساعدهم على المضي بالحوار قُدُمًا في تخصصاتهم، غير أن تلك المفاهيم والمصطلحات ذاتها أضحت عوائقَ أمام مشاركة الغرباء في فعاليات ذلك الحوار. كما استفدت أن الحوار بين المنتمين إلى تخصصات مختلفة بشأن القضايا الموضوعية المتشابهة إنما يسهم في تذليل العوائق المرتبطة بالمفاهيم لتؤول إلى كلمات أيسر فهمًا وأرحب مجالاً. وعندما يُضطر الباحثون إلى التواصل مع باحثين من تخصصات أخرى فإنهم سيحاولون عرض أبحاثهم بلغة يفهمها الآخرون.
وبالمثل، يمكن سحب نموذج تلك الدروس على علماء الدين على اختلاف انتماءاتهم الدينية، فباضطرارهم إلى التعريف بما لديهم من مفاهيم هي عينها قوام العوائق والهوية الخاصة بهم كرجال دين إنما يكونون مضطرين بطبيعة الحال إلى تبسيط الشروح لانتماءاتهم الدينية بما يتيح لرجال الدين من الأديان الأخرى استيعابها وفهمها. ولا شك أن إتقان لغة التواصل ودقائقها لهو من الأساسيات اللازمة حتى يؤتي هذا التواصل أُكُله، ذلك بأن اللغة عنصر أساسي في معادلة التواصل، كما أنها عائق وحائل دونه ما دامت خارج دائرة الإتقان. والتعويل على هذه الجوانب اللغوية من شأنه مساعدة المشاركين في الحوار على التوصّل لنتائج مثمرة، فتحصيل التفاهم كفيل بطي المساحات الفاصلة عن الآخر. غير أنه لا ينبغي أن يتمثل الهدف في تحقيق التكافؤ جذريًا، بل ينبغي أن يتمثل الهدف من التواصل في الإحاطة علمًا بالنسُك الدينية وفق مفاهيم أتباعها ومصطلحاتهم والتطور التاريخي للفئات والأقسام التي اشترعها ممارسو تلك النسك والشعائر الدينية.
ولا سبيل إلى إدراك أهمية الحوار إلا بعد تحصيله، فإذا كان الباحثون من مختلف التخصصات يقفون على فهم أوفى لأنماط الحوار بالتطرق إلى التخصصات المغايرة لتخصصاتهم، فإنه يمكن لرجال الدين الاستفادة – على غرار ذلك – استفادةً جمّةً من اكتساب المعرفة بالتطور التاريخي لطبائع الحوار في الانتماءات الدينية الأخرى. وفي عالم اليوم المتشابك ينبغي أن يكون هذا التعمّق المعرفي عنصرًا أساسيًا بالنسبة لرجال الدين المشاركين في الحوار بما يمكّنهم من فهم الأديان الأخرى فهمًا وافيًا وفق ما تضمه تلك الأديان من انتماءات والتعريف بما انتهوا إليه من أفهام. والأمل يحدونا في أن ينفض إدراك أهمية الحوار عن مساعدتنا على إيجاد عالم يحفّه فهمٌ أوفى وأرحب للآخر، وتجنّب أوجه التحيّز الراسخة على مر العصور.
وكما هي الحال في التجربة المازجة بين التخصصات حيث نهضت مراكز البحوث المازجة بين التخصصات بدور مهم في استضافة فعاليات الحوار بين التخصصات، فإن مسألة الحوار بين الأديان تبدو بدورها بحاجة ماسة إلى مراكز ذات نشاط آخذ بطرف بين مختلف الأديان، على أن تكون مراكز قادرة على استضافة فعاليات حوارية بين مختلف الأديان. وإدراكًا منه لهذه الحاجة الماسّة، قام مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان بهذا الدور المهم والأساسي في عالم اليوم، فأسهم في إخفات صوت التحيّز والتحامل الذي اعتاد أتباع الأديان رفع ألويته أمام بعضهم البعض. وعلى ذلك، ينبغي لرجال الدين المشاركة في هذا العمل النبيل، وأن يسلك أتباع الأديان من العوام هذا المسلك من ورائهم، هذا بالرغم من أن الأثر المترتب على تغيير توجّه رجل الدين قد يكون له أثر أعمق بكثير على المجتمع مقارنة بالتغير في توجّه إنسان عادي من الأتباع.
عديل خان
Sorry, the comment form is closed at this time.