03 فبراير أولها “مؤتمر باريس” عام 1932.. محطات رئيسية فى حوار الأديان
مع ظهور أي متغير أو حدث عالمي، تطفو الدعوة لحوار الأديان على السطح، وسرعان ما تعود وترسو فى القاع، بعد زوال الحدث، والدليل أن الدعوة لحوار الأديان ولدت عام 1932، وعدد المؤتمرات التى عقدت حولها نحو 15 مؤتمرًا حتى الآن، وخرجت جميها بنتائج واحدة وهى الدعوة إلى التعايش السلمى والتآخى بين أصحاب الديانات المختلفة، فهل تحققت هذه النتائج على أرض الواقع، أم هى مجرد كلام وحبر على ورق.
كان الاتحاد السوفيتي طيلة تماسكه وقبل تفككه، أحد معوقات انعقاد مؤتمرات حوار الأديان، لرفعه قيم ومبادئ الشيوعية والإلحاد، لكن بعد انهيار المعسكر الشيوعى وبروز التيارات الدينية المتطرفة من مختلف الأديان، ووقوع أحداث 11 سبتمبر، عادت الدعوة لحوار الأديان تطفو على السطح بقوة.
والسؤال الآن عن المحطات الرئيسية فى حوار الأديان، وكيفية إدارتها وتاريخها، لنصل من خلالها إلى معرفة ما حققته من إنجازات أو إخفاقات عبر تاريخها.
بداية، ولدت فكرة حوار الأديان – دوليًا – عام 1932 عندما بعثت فرنسا ممثلين لها، لمفاوضة رجال الأزهر في فكرة توحيد الأديان الثلاثة “الإسلام والنصرانية واليهودية” ثم تلا ذلك مؤتمر باريس 1933 حضره مستشرقون ومبشرون، ثم أخذت هذه المؤتمرات تتعاقب في السنوات (1936 و 1964) ووجدت خلالها الدعوة إلى حوار الأديان.
منذ ذلك التاريخ وحتى الآن انعقد أكثر من 15 مؤتمرًا لحوار الأديان، بدوافع ومبررات مختلفة.. وزادت الدعوة إليها بعد انهيار المعسكر الشيوعي – الذى كان رافعًا لقيم ومبادئ الشيوعية والإلحاد-، وزادات أكثر بعد بروز التيارات الدينية المتطرفة من مختلف الأديان، ووقوع العديد من الأحداث التي لعبت دورًا مهما في تغيير مسار التاريخ والجغرافيا، أهمها علي الإطلاق أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن أهم مبادرات ومؤتمرات حوارات الأديان التى عقدت:
مؤتمر مدريد 2008
ظهرت الدعوة من جديد إلي ضرورة التلاقي والتعايش بين الأديان الثلاثة، ولعل أهم ثمار تلك الدعوات إلي الحوار مؤتمر إسبانيا لحوار الأديان الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية عام وعقد فى مدريد عام 2008 بحضور الملك الإسباني خوان كارلوس وعدد من زعماء العالم السياسيين والدينيين كان من بينهم الأمين العام للمؤتمر اليهودي العالمي مايكل شنايدر، وهو ما أثار العديد من التحفظات حول الحضور اليهودي وإمكانية تسييس القضية وإخراجها من ثوبها الديني وانتهي المؤتمر إلي بعض التوصيات منها التأكيد علي تفعيل القواسم المشتركة بين الأديان ونبذ العنف انطلاقا من وحدانية الخالق لدي كل الأديان.
مؤتمر نيويورك 2008
ما أثير فى هذا المؤتمر أخذ من الجدية والخطورة مكانه، لدرجة أن دعت الرياض مرة أخري إلي عقد مؤتمر آخر للحوار الديني، وجاء هذه المرة في نيويورك وعقد فى نوفمبر عام 2008، تحت إشراف الأمم المتحدة بحضور العشرات من زعماء البلاد والرموز الدينية في العالم، ولم يخل أيضا من الحضور اليهودي، ليتكرر مرة أخري سيناريو الرفض والتنديد من جبهة المعارضة لحوار الأديان من الأطراف الثلاثة “الأديان الثلاثة” وخرج البيان الختامي ليؤكد أهمية التعايش السلمي بين أصحاب الديانات.
انبثقت من فكرة حوار الأديان، أفكار أخري وتشكلت لجان محلية ودولية لمناقشة ظاهرة التفاعل السلبي بين الأديان، خصوصًا في تلك الدول التي تتمتع بكثرة أطيافها الدينية، بهدف التقريب والوصول إلي صيغة متفق عليها من الجميع وقواعد ثابتة تكون منهاجا لهم في الحياة.
ومن أهم تلك التفريعات التي انبثقت عن مشروع حوار الأديان ما يسمي مؤتمر مناهضة العنصرية، الذى عقد بجنوب إفريقيا عام 2001 وعرف أيضا باسم “دربان1”. وكان من أهم مظاهره، استعماله كمنصة لإلقاء الاتهامات بين إسرائيل ودول مثل إيران علي خلفية الصراعات التقليدية بين الجانبين حتي وصل الأمر إلي مقاطعة دول كبري لهذا المؤتمر في صورته الثانية “دربان 2” الذى عقد بسويسرا عام 2009، تضامنا مع إسرائيل ضد تصريحات أحمدي نجاد بخصوص المحرقة اليهودية.
مؤتمر قطر 2010
في قطر 2010 عقد مؤتمر لحوار الأديان حضره ممثلون عن الكنيسة الكاثوليكية وبابا روما وعن الكنائس المسيحية الشرقية ومنهم قداسة البابا شنودة بابا الأقباط وعن المسلمين علماء من العالم العربي ومن أوروبا، وفضيلة شيخ الأزهر والشيخ القرضاوي.
وبعد ذلك ببضعة أسابيع تم التوقيع في مصر علي اتفاقية للحوار بين المنتدي الإسلامي العالمي للحوار بحضور شيخ الأزهر ومجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يرأسه البابا شنودة.
مؤتمر العراق 2011
وامتدادا لفكرة التفريعات المنبثقة من مشروع حوار الأديان، أقيم في العراق يوم 21 يناير الحالي، مؤتمر تحت شعار “حوار الأديان.. مصدر أساسي لاستقرار البلاد”، لكنه هذه المرة كان حوارا بين كل الأطياف ذات الخلفيات الدينية داخل العراق من أجل وقف نزيف الدماء الذي يُهدر نتيجة العمليات الإرهابية والتفجيرات التي تستهدف كل أبناء الوطن انطلاقا من ثوابت أيديولوجية ذات خلفية دينية.
ورغم أن كل مؤتمرات حوار الأديان خرجت نتائجها متفقة على ضرورة التعايش السلمى والحب والإخاء بين مختلف الأديان، إلا أن تصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر الأخيرة، التى أكد فيها ضرورة حماية الأقباط فى مصر من اضطهاد المسلمين، كانت بمثابة الشرر الذى يحاول حرق كل نتائج واتفاقيات حوارات الأديان.
تصريحات تدفعنا للتساؤل عن جدوى تلك المؤتمرات، مادامت شخصية بقامة البابا ماتزال تعتقد فى وجود اضطهاد للأقباط فى مصر.
يقول الدكتور عبدالله النجار، أستاذ الشريعة وعضو سابق بلجنة حوار الأديان بالأزهر إن مسألة تلميحات الفاتيكان هي مسألة تحتاج إلي التوضيح في ظل وجود لجنة للحوار مع الشيعة موجودة أصلا في الفاتيكان وليس الشيعة فقط فالفاتيكان به لجان للتعامل مع كل الأطياف الدينية.. حتي إن هناك لجنة للحوار مع البوذية، لذلك فإنه يجب إعادة النظر في جدية تلميحات الفاتيكان “بالاستبدال”.
وعن فكرة التنسيق بين الدول الإسلامية واتباع قواعد محددة وثابته يتعامل معها جميع الدول الإسلامية في حوارها مع الأديان استبعد النجار وجود مثل هذا الطرح ملمحا إلي كونه متروكا لكل دولة حسب ظروفها مع الآخر.
يذكر أن السعودية لديها لجنة الاتصال الإسلامي– الكاثوليكي، بالتشاور بين أعضاء من الفاتيكان وممثلين من السعودية لتنظيم مسألة الحوار.
وعن جدوي مشروع حوار الأديان كان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد أوقف التعامل مع الفاتيكان في وقت سابق، بسبب تصريحات البابا بنديكت عن الإسلام والنبي محمد والادعاء أن الدين الإسلامي دين يدعو إلي العنف، وانتشر بحد السيف. بينما أشاد القرضاوي في برنامجه الشهير علي قناة الجزيرة “الشريعة والحياة” بقرار الأزهر تجميد الحوار مع الفاتيكان، متهمًا البابا بتحريض مسيحيي الشرق ضد المسلمين وإثارة الفتنة في البلاد.
(سعيد قدرى، الأهرام)
Sorry, the comment form is closed at this time.