15 مايو جَسر الفجوة بين المسيحيين والمسلمين البريطانيين
دُعيْت مؤخراً لإلقاء محاضرة «ذكرى بيتر بيل» في ليدز في ذكرى بطل حوار الأديان المحلي بيتر بيل الذي عمل من دون كلل لإبراز صورة حوار الأديان في تلك المدينة في مقاطعة يوركشير. كواعظ منهجي متدرب، سعى بيتر بيل لرعاية تفاهم أفضل بين أتباع الديانات المختلفة، وكان أستاذاً ورائداً في مجال حوار الأديان. بحثْت سبعين طريقة لتعزيز العمل في مجال حوار الأديان، عارضاً التوجهات المتداخلة التي تستخدم عادة لتشجيع جهود حوار الأديان في المدارس والكنائس والمساجد والسجون والحكومات وفي المجتمع على اتساعه.
أملي هو أن يفهم الناس من خلال هذه الجهود أن من بين قصص التمييز والعزل والرهاب الإسلامي مازالت النية الحسنة والتفاهم بين المسلمين والمسيحيين هنا في المملكة المتحدة موجودة بالتأكيد.
تشكّل مبادرات حوار الأديان أسلوباً قوياً للتعامل مع سوء الفهم السائد في المجتمع وتشجيع التفاهم والتسامح. أصبحت بعض الأساطير التي تُطرَح أحياناً في الإعلام الآن متأصلة في النفسية البريطانية لدرجة أنه إذا لم نتعامل معها الآن فقد يصبح لدينا مجتمع مستقطَب في المستقبل القريب.
وتضم بعض الأساطير الواسعة التي يصدّقها البريطانيون عن المسلمين أنهم يقتلون «الكفرة» وأنهم عنفيون بطبيعتهم وأن جميع النساء المسلمات يلبسن الحجاب وأن الرجال المسلمين يعاملون نساءهم كمواطنين من الدرجة الثانية. هناك كذلك إشاعات جادة وخطيرة مفادها أن المسلمين البريطانيين ليسوا على ولاء لبريطانيا وأنهم يشكلون ما يسمى بالطابور الخامس الذي يعمل بشكل سري لإفشال النظام السياسي والاجتماعي في المملكة المتحدة من أجل مكتسبات لهم.
لا يمكن إزالة سوء الفهم الخطير هذا إلا من خلال المشاركة الجادة من النوع الذي يحصل في مجتمعات حوار الأديان ولقاءاته.
أعلمني أحد أفراد رعيتي الأسبوع الماضي كيف انزعجت ابنته البالغة من العمر سبع سنوات لأن زملاءها في المدرسة قالوا: «نكرهكم أنتم المسلمين لأنكم دمرتم مركز التجارة العالمي». ويثير ذلك أسئلة عديدة: من علّم هؤلاء الأطفال هذه الأشياء؟ لماذا؟ ماذا كان الحافز من وراء ذلك؟.
يُشكّل المجتمع الإسلامي أقلية مهمة في المملكة المتحدة، حيث يبلغ عدد أعضائه ثلاث ملايين شخص. ويتوقع مركز بيو أن يزيد هذا العدد ليصبح 5.6 ملايين مسلم العام 2030، والذي سيشكل وقتها 10 في المئة من سكان المملكة المتحدة. إضافة إلى ذلك، يتكون هذا المجتمع من صغار السن حيث أن 60 في المئة منهم لم يبلغ سن الثلاثين.
وأشار مدير «مركز الوليد بن طلال لدراسة الإسلام في العالم المعاصر» بجامعة أدنبرة، هيو غودارد بشكل صحيح إلى المشكلة في العلاقات بين المسيحيين والمسلمين في المملكة المتحدة، حيث يقول: «إن مستوى التفاهم المتبادل بين هاتين الطائفتين يكون أحياناً منخفضاً جداً… بل ويمكن القول إن الجهل المتبادل هو أوسع انتشاراً بكثير من التفاهم المتبادل».
لذا أود أن أُشجع على التحرك قدماً، أن يتخذ المسلمون الخطوات ليصبحوا على علم ومعرفة بجيرانهم المسيحيين، وأن يبذل المسيحيون في المملكة المتحدة جهوداً لفهم ثقافة المسلمين وخلفياتهم الدينية.
ولكن على مستوى عملي جداً، ما الذي نستطيع عمله؟
أولاً أن نكون على استعداد للخروج من مساحة الراحة، فالعمل في مجال حوار الأديان يشكّل تحدياً كبيراً ويتطلب ارتكاب المخاطر.
بعد ذلك هناك خيارات عديدة لمد يد التعاون نحو الديانات المختلفة. تستطيع قراءة الكتب السماوية للديانات الأخرى، ثم التشارك بما قرأته مع أناس من دينك. وتستطيع دعوة أحد أتباع الديانات الأخرى إلى منزلك، أو أدعُ أحد أتباع الديانات الأخرى إلى مكان عبادتك، وأعطهم فرصة لملاحظة ممارستك لشعائرك الدينية. قدّم تبرعاً لمشروع خيري يديره أناس من ديانة أخرى. أعطِ نسخة من كتابك السماوي إلى صديق من أتباع ديانة أخرى (ولكن ليس بهدف تحويلهم إلى دينك).
ينخرط المسلمون والمسيحيون في بريطانيا من حولك وبحماسة كبيرة في مشاريع مثيرة في حوار الأديان، تتراوح بين فرق كرة القدم بين أئمة ورجال دين مسيحيين، إلى حوار أكاديمي عن القرآن والإنجيل، وزيارات حجّ عبر الديانات، إلى إعداد واستضافة دعوات لتناول الطعام. ليست جميع هذه النشاطات سهلة، فهي تتطلب بالتأكيد، كما قال رئيس أساقفة كانتربري «علاقات قوية وملتزمة» وانفتاحاً لمجابهة مقاومة المرء لأفكار جديدة وأناس جدد.
إلا أنه في نهاية المطاف، تعود مجموعة من النشاطات عبر الديانات بالفائدة على مجتمع بريطاني متماسك يتمتع بالصدق والثقة.
مُشرّف حسين
(المقالة لا تعبر عن رآي مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان)
Sorry, the comment form is closed at this time.