30 مايو حجب جائزة حوار الأديان عن كاتب مسلم يثير جدلا بالمانيا
بينما كرر البابا خلال رحلة حجه الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط دعوته إلى الحوار والتفاهم بين الأديان، يسود حالياً جدل في ولاية هيسن الألمانية بشأن جائزتها الثقافية، التي تمنحها الولاية والتي خصصتها هذا العام لدعم الحوار بين الأديان. وكان من المفترض أن تمنح الجائزة، التي تبلغ قيمتها 45 ألف يورو، لأشخاص ساهموا في تكريس مفهوم الحوار وإثراءه. لكن جائزة هذا العام ستمنح إلى ممثلي الديانتين المسيحية واليهودية.
وكان هدف ولاية هيسن المعلن من منح الجائزة هو تشجيع ودعم حوار الأديان، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن. ففي الوقت الذي سعت فيه حكومة الولاية إلى إيجاد نوعاً من التوازن وحرصت على اختيار ممثلين عن الأديان السماوية الثلاثة ووقع اختيارها على الكاردينال الكاثوليكي كارل ليمان، وشتيناكر الرئيس السابق للكنيسة الإنجيلية في الولاية، وسلومون كورن، نائب رئيس المجلس الأعلى لليهود. كما كانت الولاية عازمة على إشراك ممثل للديانة الإسلامية من أجل تحقيق هذا التوازن. ووقع الاختيار بالفعل على البروفيسور فؤاد سيزجين، أستاذ علم التاريخ والعلوم الطبيعية ومؤسس معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت، كممثل للجانب الإسلامي.
إلا أنه اعتذر عن قبول الجائزة نظرا لاختلافه مع المواقف السياسية لسلومون كورن فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتداعياته على أحداث قطاع غزة. وعلل سيزجين موقفه الرافض هذا برؤية كورن الأحادية للأحداث التي وقعت في غزة، “لدرجة أن قناعته السياسية وفهمه الثقافي يحولان دون تقاسمه الجائزة مع كورن”.
بديل مرفوض
وفي محاولة للخروج من هذا المأزق سعت لجنة التحكيم إلى إيجاد بديلاً، بعد اعتذار فؤاد سيزجين، وتم ترشيح الكاتب الإيراني الأصل نافيد كرماني. بيد أن هذا الترشيح لاقى اعتراض الجانب المسيحي وأعلن ليمان وشتيناكر عن امتناعهما عن تسلم الجائزة المذكورة في الخامس من يونيو/ حزيران القادم بالاشتراك مع الكاتب المسلم كرماني، كما كان مخططاً سلفاً. وموقف الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية الرافض لكرماني يعود إلي مقال كتبه كرماني في عيد الفصح الماضي في صحيفة “نويه زوريشه تسايتونغ”. وتناول كرماني في مقاله عن رمز الصليب والمبالغة في الآلام في الديانة المسيحية، واصفاً إياها بـ”البربرية” و”المؤذية بالجسد”. وكان هذا المقال كفيلاً لإعلان ليمان وشتيناكر رفضهما تقاسم الجائزة مع كرماني، معتبرين أن آراءه تمثل “ازدراء للمسيحية وتقدم صورة سلبية عن الرمز المسيحي”، ما حدا بالولاية أن تحجب الجائزة عن الكاتب المسلم.
“هذا لا يعني عدم احترامي لمن يقدسوا هذا الصليب”
من جانبه أعرب كرماني عن استياءه من حجب الجائزة عنه وكتب إلى رونالد كوخ، رئيس وزراء ولاية هيسن عبر جريدة “فرانكفورتر ألغماينة تسايتونغ” في عددها الصادر يوم الجمعة السابق خطاباً مفتوحاً قال فيه: “عزيزي السيد كوخ، أتمنى أن تخجلوا على الأقل من قراركم هذا، مع خالص تحياتي من مدينة كولونيا الكاثوليكية”. وقال أيضا: “إن موقفي المبدئي من الصلبان سلبي. لكن هذا لا يعني أنني احترم الأشخاص، الذين يقدسون الصليب، بشكل أقل من الأشخاص الآخرين. وهذا ليس اتهاماً، بل رفض”.
ردود فعل مسلمي ألمانيا
وفي أطار ردود الفعل على هذه القضية وصف المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا رد فعل الكنائس الألمانية على منح جائزة الثقافة في ولاية هيسن لكاتب مسلم بأنه “غير ناضج بل وطفولي”. وصرح أيمن مازيك رئيس المجلس لمجلة “تاغيسشبيغل” أن “هذا المسلك من قبل الكنائس يعني تجاهل الحوار بين الأديان”. وقال إن بعض المنتمين إلى الصفوة في ألمانيا تفهم الحوار بين الأديان فهما مبهما.
كما أثار قرار حجب الجائزة عن كرماني جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية في ألمانيا، فق وصف رئيس البرلمان الألماني “بوندستاغ” نوربيرت لاميرت قرار الجهة المانحة للجائزة “بالمسرحية الهزلية” و استطرد قائلاً: “إذا كان السبب في حجب الجائزة عن كرماني ورفض تكريمه لمساهمته في دعم حوار الأديان، هو مقال شجاع كتبه وعبر فيه عن وجه نظره كمسلم من عقيدة الصليب، فمن الأفضل للدولة أن تمتنع عن منح الجوائز الثقافية”. وأكد المسؤول الألماني أن مشروع منح الجائزة قد باء بالفشل وأن “حجب الجائزة بشكل عام لكل المرشحين يمكن أن يهدأ من غضب المهتمين بهيبة الدولة”.
وفي سياق متصل طالب أوميد نوريبور، عضو البرلمان عن حزب الخضر، بالتخلي عن منح الجائزة هذا العام ووصف كرماني بالقول “إنه أحد الداعين منذ سنوات إلى الحوار بين الأديان”.
(إيلاف)
Sorry, the comment form is closed at this time.