20 أكتوبر رئيس مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان في حوار خاص لـ«لوسيل»: حوار الأديان قوة ناعمة للدول التي تحسن استخدامها
أكد الأستاذ الدكتور إبراهيم النعيمي، رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، أن المركز منصة للحوار والتسامح وقبول الآخر، مشيراً إلى أن قطر أكدت للعالم أنها دولة وسطية وتكافح الإرهاب ولديها منظومة متجانسة تتسم بالوضوح وكل شيء فوق الطاولة.
وأضاف الدكتور النعيمي في حوار خاص لـ «لوسيل» أن المركز لا يقدم تنازلات وإنما يقوم بطرح القضايا دون الخوض في العقيدة، مؤكداً أن حوار الأديان قوة ناعمة للدول التي تحسن استخدامها، ووجود المركز بقلب الجزيرة العربية يعكس روح التسامح والمحبة بالدين الإسلامي.
وأوضح رئيس مجلس إدارة مركز حوار الأديان، أن مراكز الكراهية تنتشر في العالم انتشار النار في الهشيم وهناك حاجة لمراكز حوار الأديان، منوهاً إلى أن مركز الدوحة ساهم في مد جسور التعاون والتفاهم بين أتباع الأديان والحضارات عالمياً، والمجتمع القطري متسامح بطبعه ولا يشعر الأجنبي بأنه غريب.. وإلى نص الحوار:
– حدِّثنا في البداية عن أهمية مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان؟ وما هو الهدف من تأسيسه؟
يعد مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان ثمرة لتوجيهات كريمة من صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حين نشأ مبدأ الحوار بين أتباع الأديان السماوية في دولة قطر، وكان ذلك عندما عُقد المؤتمر الأول لحوار الأديان في عام 2003م، وتم إشهار مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، وافتتاحه رسميًّا في 2007، وتشكيل مجلس إدارة للمركز، وكذلك تشكَّل مجلسٌ استشاريٌّ عالمي.
ويُعدُّ مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان المؤسَّسة الرائدة في قطر المعنية بالحوار بين الأديان والثقافات، وبناء القدرات في مجال الحوار وثقافة السلام، وللمركز رؤية وهدف، فرؤيته تتمثل في السعي لحوار بنَّاء بين أتباع الأديان، من أجل فهم أفضل للمبادئ والتعاليم الدينية لتسخيرها لخدمة الإنسانية جمعاء، انطلاقًا من الاحترام المتبادل والاعتراف بالاختلاف، والمساهمة في دفع الجهود المبذولة لمد جسور التعاون والتفاهم بين أتباع الأديان ومختلف الحضارات والثقافات لإشاعة جو من السلام والعدالة.
أما أهدافه فأن يكون بيت خبرة يوفر معلومات علمية وتعليمية وتدريبية في مجال الحوار وتعزيز ثقافة السلام والتعايش بين الأديان وأتباعها، ولذلك يسعى مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان دائما لإيجاد وسائل متنوعة يرسِّخ من خلالها ثقافة الحوار، ويساعدنا في ذلك كون قطر بلدًا متعدد الثقافات والجنسيات.
ويجب أن نؤكد على أن الإسلام دين تسامح ودين وسطي يدعو للمحبة والتعايش المشترك واحترام الآخرين من الأديان الأخرى وأتباعهم.
منصة للتسامح
– وإلي أي مدى ساهم المركز في تقديم قطر باعتبارها منصة للتسامح وقبول الآخر؟
بحكم أن المركز مركز وطني أسسته قطر ويشرف عليه قطريون، فلا شك أنه بالضرورة يعكس رؤية قطر في معاملة كل من يعيش على أرضها من مواطنين ومقيمين بالاحترام لهم ولدينهم وممارسة شعائرهم الدينية بكل اطمئنان وراحة بال، بما لا يسيء إلى تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وعادات وتقاليد دولة قطر، كما أن وجود مركز لحوار الأديان في قلب الجزيرة العربية يدعو إلى الحوار والتسامح يبرز للعالم كيف أن الإسلام دين تسامح ومحبة، ويفند كل ما يشاع عنه كالإرهاب وغير ذلك من الاتهامات الباطلة، وهذا المركز يبرز للعالم ككل أن الإسلام معني عناية تامة بالحوار بين أتباع الأديان، وإتاحة الفرصة لهم للتعايش في قطر كدولة آمنة مستقرة مسالمة تتيح الفرصة لمناقشة القضايا مع أتباع الديانات الأخرى في دول مختلفة، وتحث على التسامح والحوار.
وعلى أرض الواقع، فنحن وجدنا الحاضنة المشجعة لرسالتنا وهي دولة قطر فالمجتمع القطري متسامح يدعو للمحبة بطبعه ولا يشعر الأجنبي بأنه غريب في هذا الوطن، وهذا انعكس على المركز من خلال أنشطته الداخلية والخارجية.
فعلى المستوى المحلي فإن المركز أخذ دوره ووضعه الطبيعي في توفير البيئة المناسبة لتدريب الشباب القطريين والمقيمين على قضايا الحوار وجمع شمل المواطنين والمقيمين بغض النظر على دياناتهم من خلال الطاولات المستديرة للحوار في مجالات مختلفة، منها التعليم والصحة والأمور القانونية والحياة الثقافية عموما، وأوجد حوارًا بينهم وبين المجتمع القطري والجهات الرسمية، لتصل وجهات نظرهم في كافة القضايا بالتعاون بين المركز والجهات المختلفة بما فيها الكنائس الموجودة في قطر.
وعلى المستوى العالمي فالمركز الآن يُعد من المراكز المعدودة التي لديها نشاط دائم متخصص في مجال الحوار بين أتباع الديانات السماوية، وهو كذلك معروف على مستوى العالم بدعوته إلى التعايش المشترك وإلى احترام الرأي الآخر والتسامح، وله أنشطته التي انتشرت في العالم كله وحققت له سمعة جيدة.
القوة الناعمة
ونحن نعتبر حوار الأديان قوة ناعمة للدول التي تحسن استخدامها، وقطر الآن فتحت أبوابا كثيرة من خلال مركز حوار الأديان وبينت للعالم أننا دولة لا ترعى الإرهاب ولا نتستر عليه وإنما نحن دولة وسطية والدين الإسلامي هو الدين الرسمي ويقوم عليه دستور البلاد وهناك احترام للأديان الأخرى والكنائس موجودة والجميع يمارس دينه بأريحية، كما أن مناهجنا التعليمية لا تنتقد الأديان الأخرى ولا تشهر بها.
ومنظومة قطر كلها متجانسة وتتسم بالوضوح وكل شيء عندنا فوق الطاولة، هذا يجعل الآخرين مطمئنين لنا، سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين لأنهم يعرفون أن ما تقوله هو واقع فعلاً.
ونحن منصة نتيح الفرصة للجميع ليعرض رؤيته في قضية من القضايا وهذه الرؤية لا تمثل وجهة نظرنا ونستدعي العلماء والمشاركين من الأديان الأخرى بأن يطرحوا وجهة نظرهم، وفي المقابل المركز يوضح باستمرار بأن هذا هو الإسلام الصحيح وهو الموجود في القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نقدم تنازلات وإنما نطرح قضايا ولا نتحدث في العقيدة وليس دورنا أن تقتنع بعقيدتي وأترك الفرصة للجميع يعرض وجهة نظره.
ونشير إلى أن مراكز حوار الأديان معدودة في العالم بينما مراكز الكراهية hate groups تنتشر انتشار النار في الهشيم، وتزيد أعدادها بشكل سنوي، بالتالي لابد أن تكون هناك مراكز لحوار الأديان.
ونحن نحرص على أن يكون هناك علماء دين وأساتذة أكاديميون في الحوار ونطرح قضايا مترابطة وبلا جسور.
– وكيف يتعامل المركز مع صعود القومية والشعبوية في العديد من مناطق العالم بما فيها أوروبا؟ وتأثير ذلك على الإسلام؟
نحن نحاول في هذا الاتجاه بقدرات المركز ومن بين المشاريع التي قمنا بها هي الحوار والسلام في حوالي 12 مدينة بأوروبا، وقمنا بإتاحة الفرصة للعديد لتقديم تجاربهم حيث جمعنا عدداً منهم بإحدى المدن الألمانية بهدف كسر الحاجز ومعرفة تجربة الحوار والسلام في كل مدينة.
وفيما يتعلق بالإسلاموفوبيا نستغرب أحيانا عندما نعرف أنهم يدركون بأن كل هذا هو إعلام موجه، ويجب أن يكون هناك دعم من قبل الدول.
جائحة كورونا
– ما هو دور المركز خلال جائحة كورونا؟ وكيف أثرت الجائحة على المركز؟
لا بد في البداية أن أذكر أن جائحة كورونا كشفت لنا بجلاء حقيقة الأخوة الإنسانية الأزلية منذ خلق الله الإنسان على هذه الأرض، وتبين لمن كان يعلم أو لا يعلم (أننا جميعا نعيش على أرض واحدة وتظلنا سماء واحدة)، وأن كل الأخطار التي يمكن أن تهدد هذه الأرض تهددنا جميعا، ولا بد لنا من إعادة روح الأخوة الإنسانية الحقيقية بيننا لنواجه ذلك، وهذا لم يكن في أزمة كورونا فقط بل في كل ما يهدد العالم من مجاعات وفقر وتغير مناخي وحتى الحروب والصراعات، فرابط الإنسانية والمصير الواحد على هذه الأرض الخاص بمواجهة الابتلاءات والمحن والكوارث التي قد تمر بنا جميعا، يوجب علينا التفكير بجدية في التعامل مع بعضنا البعض كإخوة وليس كأعداء، ولا تمنع الأخوة من الاختلاف فهذا حاصل حتى بين الأخوة في الدم الواحد، فمن الطبيعي لو حدث خطر يهدد أسرتهم سيتكاتفون لمواجهته، وكذا نحن جميعا في أسرة إنسانية واحدة واليوم كشفت لنا هذه الجائحة مدى ضرورة تكاتفنا وتعاوننا للقضاء عليها، وهذا لن يكون إلا – كما ذكرت – بتعزيز ثقافة المحبة والتسامح والاعتراف بالآخر.
وعن المركز وتعامله مع هذه الجائحة وتأثيراتها عليه، فأول شيء – للأسف – كان اضطرارنا لتأجيل مؤتمر الدوحة الرابع عشر لحوار الأديان، بعنوان «الأديان وخطاب الكراهية بين الممارسة والنصوص» والذي كان من المقرر عقده في 3 – 4 مارس 2020م، وتم تأجيله نظرا لظروف جائحة كورونا، وحرصًا على سلامة المشاركين، ونأمل أن يتم استئناف انعقادة في بداية 2021، وبالطبع قد أصدر المركز بيان (نفس واحدة) منذ بداية هذه الأزمة، كما تعلمون توجه جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها للعمل عن بعد، حدث هذا مع المركز، ثم تم استئناف العمل المكتبي في المركز تدريجيا وحتى الآن، إلا أن هذا لم يوقف أنشطة المركز فقد تم التجهيز لعقد الطاولة المستديرة العاشرة للجاليات «أونلاين» بعنوان: (أخلاقيات التعامل الديني والإنساني في وقت انتشار الأوبئة والأمراض).
والطاولة المستديرة للجاليات تمثل حوارا مجتمعيا داخليا، يُعقد في فتراتٍ زمنيةٍ متقاربة بين بين ذوي الاختصاص من المفكرين وأساتذة الجامعات الموجودة في قطر، لمناقشة قضايا الحوار والقضايا الاجتماعية التي تهم الجاليات.
الأمم المتحدة
– لنبدأ من خطاب سمو الأمير الأخير بالدورة 75 للأمم المتحدة حيث نجد أن سمو الأمير يؤكد على الدوام على أهمية الحوار سواء كان في حل النزاعات أو في التعايش.. كيف تنظرون لهذه القيم القطرية وانعكاسها على المركز؟
إن دولة قطر مُمثَّلة في مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان تؤمن بأن بناء الأمم يبدأ ببناء الإنسان، وهذا البناء يتم من خلال التعاون مع أخيه الإنسان، لبناء مجتمعٍ قائمٍ على الاحترام المتبادل والعيش المشترك بوئام وتجانس مهما اختلفت الأديان والثقافات والأعراق، ويُعدُّ مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان المؤسَّسة الرائدة في قطر المعنية بالحوار بين الأديان والثقافات، وبناء القدرات في مجال الحوار وثقافة السلام.
ولا يستطيع أحدٌ أن ينكر ما لدولة قطر من ريادةٍ في مجال التقارب والتعايش والدعوة للسلام، وذلك ما أكسبها مكانةً عالميةً مرموقة، وجعلها واحدةً من دول العالم الأكثر تأثيرًا في مثل هذه القضايا، وفي كل ما يهم الأمن والسلم الدوليين. وللحفاظ على هذه المكانة يسعى مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان دائما لإيجاد وسائل متنوعة يرسِّخ من خلالها ثقافة الحوار، وساعد في ذلك كون قطر بلدًا متعدد الثقافات والجنسيات.
ومركز الدوحة الدولي لحوار الأديان منذ تأسيسه في 2007 دأب على طرح العديد من الموضوعات المتعلقة بالحوار وآدابه وأصدائه وأنواعه ومخرجاته، وتجارب الحوار حول العالم سواء في مجال الأديان أو حتى الثقافات والحضارات، وهذا اقتداء طبيعي لتوجه دولة قطر الحديثة التي أسسها المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، وسار على نفس النهج حكام قطر السابقون حتى جاء سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ووضع منهجا للحوار ثم تبعه سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، فرسَّخ ذلك المنهج وجعله مبدأ وتوجُّهًا ثابتًا لدولة قطر في تعاملها مع كافة القضايا.
ونحن نؤمن بما نقوم به، وذلك لإيماننا بأن الدين ولا شك يملكُ من الغِنى الرُّوحيّ، والسموِّ الأخلاقيّ، ما يجعلُه المنبعَ الأولَ لكل القيمِ الإنسانية، التي هي الحصن الأول في مواجهة كافة التحديات التي يواجهها العالم اليوم من تطرف وإرهاب وتمييز وحروب ونزاعات، وهذا ما انتبه له مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان بل كان السبب الرئيسي لإنشائه، فاتخذنا سبيل الحوار البناء بين أتباع الأديان.
الجائزة فخر لقطر
– نبارك لكم اختياركم ضمن أكثر عشر شخصيات إسلامية رائدة في العالم.. ما أهمية هذا الاختيار بالنسبة للمركز؟ وما هي معايير الاختيار؟
أولا أشكركم على هذه التهنئة، وفي بداية الحديث عن هذا الأمر لا بد أن نُرجع الفضل في مثل هذا التكريم في المقام الأول للسياسة الحكيمة لسمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، التي تؤكد دائمًا على مبدأ الحوار والدعوة للسلام وأنه مبدأ أساسي راسخ لدولة قطر.
أما عن هذه الجائزة فهي تُسمى جوائز السلام السنوية، وهذه الدورة (الخامسة والعشرون) لها، وتمنح في خمسة مجالات وهي (السلام، وحقوق الإنسان، وحل النزاعات، وحوار الأديان، وتمكين المرأة)، ويتم اختيار (عشر شخصيات إسلامية) الأكثر تأثيرًا حول العالم في هذه المجالات.
وقد تم اختياري من قائمة هذه الشخصيات العشرة، والتي ضمت شخصيات عالمية مهمة منها: السيدة أمينة أردوغان حرم الرئيس التركي، والسيد مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي السابق، والسيدة إلهان عمر نائبة الكونجرس الأمريكي، واللورد نظير أحمد عضو مجلس اللوردات في البرلمان البريطاني. وتقوم بمنح هذه الجائزة المنظمة الدولية للسلام والتنمية (إنسباد- INSPAD)، وهي منظمة دولية تأسست في بروكسل بلجيكا منذ 2005، وتعمل في مكتبين (باكستان وبلجيكا)، وحاصلة على صفة مراقب خاص لدى الأمم المتحدة منذ سبتمبر 2009. ولجنة تحكيم الجائزة تتألف من 21 عضوًا من سفراء السلام حول العالم والحقوقيين البارزين.
وأنا في الحقيقة أعتبر هذا التكريم شهادةً لريادة قطر في مجال التقارب والتعايش والدعوة للسلام والحوار، وهو تكريم لمركز الدوحة الدولي لحوار الأديان ومجلس إدارته، ولكل زملائي العاملين معي فيه، وسوف يظل المركز، بحول الله، حاملا لأمانة المسؤولية التي تشرف بها، رفعةً لراية بلادنا وازدهارها، وإعلاءً لمكانتها العالمية. وهذه الجائزة هي حافز للاستمرار في عملنا، وقطر دولة تدعو للحوار والتعايش والسلام.
تفشي الإسلاموفوبيا
– كيف تنظرون لتفشي ما يسمى بالإسلاموفوبيا؟ وما هو دوركم أنتم في المركز في تقديم الصورة الجيدة للإسلام؟
الإسلاموفوبيا هي قضية ممتدة لسيطرة التعصب العرقي والديني الذي نتج عنه التطرف والإرهاب الذي نشهده وشهده العالم منذ سنوات طويلة، لذلك فمواجهتنا حينما نناقش قضايا في مؤتمرنا ترتكز على ما يمكن أن يقضي على ذلك الفكر المتطرف والفهم الخاطئ للدين مثل ما تمت مناقشته في العديد من مؤتمراتنا وليس مؤتمرا واحدا ركزنا فيه على هذه القضية، من بينها (القيم الدينية بين المسالمة واحترام الحياة، والقيم الروحية والسلام العالمي، والأَمْنُ الرُّوحِيُّ والفِكْرِيُّ في ضَوْءِ التَّعَالِيمِ الدِّينِيَّة، والأديان وحقوق الإنسان).
لكن في رأيي أهم ما يمكن أن نقوله فيما حققه المركز هو المساهمة في مد جسور التعاون والتفاهم بين أتباع الأديان ومختلف الحضارات والثقافات حول العالم، وتخفيف حدة الاحتقان الموجودة بسبب جهل الأطراف لبعضها.
وما ذكرته في سؤالك تحديدا عن ظاهرة الإسلاموفوبيا والحد من انتشارها في الغرب فنحن معنيون بذلك بكل الأدوات والطرق من إقامة ندوات في البلاد التي نستشعر ارتفاعا في نمو هذه الظاهرة بها، كما نخاطب الجهات المعنية بذلك، ونتحدث مع متخذي القرارات وشركائنا، ونضع على موقعنا البيانات ونتواصل مع النشطاء في العالم للتحرك والمساعدة للحيلولة دون وقوع ضرر على مسلم، وهم يتواصلون معنا خصوصا مع متخذي القرارات ولولا وجود مثل هذه المراكز لزادت حدة الاحتقان وسوء الفهم بين المجتمعات.
تحديد منابع الإرهاب
– كما تعلم أن قطر حاولت تحديد منابع الإرهاب في عوامل منها الجهل والفقر وخطاب الكراهية.. فكيف بنت الدولة إستراتيجياتها بناء على هذه الثلاثية؟ وإلى أي مدى أسهم مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان في معالجة ملفات حساسة مثل مكافحة الإرهاب؟
يجب أولا أن نعرف أن التحديد لأي مصطلح هو أول الطرق لمعرفته وفهمه ووضع قوانين للتعامل معه، وبالتالي مواجهة أخطاره مثل (مصطلح الإرهاب). فحينما بدا الاختلاف واضحا في تعريف مصطلح الإرهاب لجأ العالم لوضع اتفاقيات دولية لتحديد صور الإرهاب، ومنذ 1963 صدرت 13 اتفاقية تحدد الأعمال التي يمكن أن توصف بأنها أعمال إرهابية. لكن هل أوقف ذلك الإرهاب أو منع انتشاره؟! الواقع الآن يقول إن هذا لم ينجح في مواجهة الإرهاب، وتحديد صور للأعمال الإرهابية ليس كافيا من دون وضع مصطلح للإرهاب يتفق عليه الجميع، وليست ببعيدة عنا الجريمة الإرهابية التي وقعت في نيوزيلندا العام الماضي.
وإذا اتفقنا على أن الإرهاب في أصله هو تطرف فكري ينتج عنه أعمال إجرامية ضد الآخرين، وقتها يمكننا التعامل معه ومواجهته. بغض النظر عمَّن صدَّر هذا الإرهاب ومن اعتنق هذه الأفكار المتطرفة ودينهم أو انتماءاتهم أيا كانوا أفرادا أو جماعات أو حتى دول.
كذلك فإن الإرهاب يتعزز في ظل خطاب الكراهية، الذي انتشر بشكل واسع بسبب انتشار الإعلام الجديد، وحتى في المنصات الإعلامية التقليدية، نجد الكراهية بأبشع صورها، للآخر، للمختلف، للمخالف، وهذا شر لا يخلو منه مجتمع، وعندها إذا توافر الجهل، والفقر، فإن عناصر الإرهاب تكون قد اكتملت، فهذا الشاب الذي لا يجد قوت يومه، ولم يتعلم، ويتغذى يوميا بخطاب الكراهية، فمن الطبيعي جدا أن يخرج رافعا سلاحه على الناس، لأنه لم يبق لديه ما يخسره، لذلك تسعى دولة قطر إلى محاربة الأجنحة الثلاثة للإرهاب في إستراتيجيتها عبر العالم.
وفيما يخص الجهل، لدينا مثلا مبادرة “التعليم فوق الجميع”، وهي مبادرة من قطر إلى العالم، وخاصة مناطق الصراع والنزاعات، والتي ينتشر فيها الفقر، تأسست في العام 2012، ورؤيتها قائمة على توفير فرص حياة جديدة وأمل حقيقي للفقراء والمهمشين من الأطفال والشباب والنساء لا سيما في الدول النامية.
من مبادراتها “علِّم طفلا”، الفاخورة (موجهة إلى غزة)، أيادي الخير نحو آسيا – روتا، برنامج التعليم في مناطق الصراع وانعدام الأمن.
وللقضاء على الفقر، فإن قطر تقدم مساعدات حكومية للدول المنكوبة والمحتاجة، حول العالم، لا تُفرِّق في ذلك، بين دين أو عِرق أو منطقة جغرافية، كما أن الشعب القطري بأسْرِه يقف خلف قطر الخيرية، وجهودها البيضاء، في كل مكان، لمحاربة الفقر، والعمل تنمية المجتمعات.
وفيما يتعلق بخطاب الكراهية، فإن اسم قطر فقط يكفي كي يكون رمزاً للتعايش والسلام والمحبة، فمجتمعنا رغم أنه مجتمع محافظ، معتز بهويته وثقافته العربية والإسلامية، إلا أنه مجتمع منفتح على الأديان والأعراق والثقافات. وهناك عشرات الجنسيات والأديان تتعايش مع بعضها هنا، بكل أريحية، والكل يمارس عبادته بحرية، الكنائس تتعانق مع المساجد على أرض المحبة، والتفاعل إيجابي بين المواطن والمقيم. وليس ذلك فقط، بل أصبح الحوار قيمة أساسية لدى صانع القرار، فتم تأسيس مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، وعقدنا مؤتمرات حوار الأديان المتتابعة، وساهمنا في تأسيس مبادرة لجنة تحالف الحضارات في الأمم المتحدة. لذلك فقطر عندما وضعت يدها على الجرح، وحددت أسباب الإرهاب، فإنها قد وضعت إستراتيجية متكاملة للحد من أسباب الإرهاب.
الخطاب الديني المتطرف
– كيف تعالجون أو تناقشون قضايا الخطاب الديني المتطرف وأثره في انتشار خطاب الكراهية؟
كما نرى فإن جماعات الكراهية في العالم تنتشر انتشار النار في الهشيم، ومراكز الحوار للأسف محدودة وبالتالي علينا مسؤولية إبراز القيم الدينية التي تحث على المحبة والتسامح واحترام الرأي الآخر والتعايش مع الآخرين، ورغم اختلاف الأديان لكن بينها مشتركات علينا إعلاؤها وتعزيزها.
ولذلك فإن الهدف الأساسي للمركز هو نشر السلام والمحبة في الأرض من خلال قيام أتباع الأديان السماوية الثلاثة بأدوارهم التي أوصاهم بها الله لخدمة البشرية.
ولتحقيق ذلك نحن نعمل في اتجاهين: بخطة داخلية وخارجية، فالخطة الخارجية ترتكز على أن يظل المركز أحد المراكز العالمية التي تعنى بالحوار، ويشارك في أغلب الأنشطة للمساعدة في نشر السلام وبناء العلاقات والتعايش المشترك السليم بين أتباع الأديان، ونقوم بمؤتمر سنوي (مؤتمر الدوحة الدولي لحوار الأديان) يجتمع فيه المفكرون ومُمثِّلو الأديان لمناقشة كافة القضايا والتحديات التي تَحول دون العيش المشترك والتعايش السلمي.
أما الخطة الداخلية، نهدف إلى إنشاء جيل من أبناء قطر ومن المواطنين والمقيمين يكون التعايش والسلام سمة من سماتهم والعمل على احترام الأديان الأخرى والرأي الآخر والاستماع والنقاش والحوار.
جائزة حوار الأديان
– يصاحب مؤتمر حوار الأديان إطلاق جائزة الدوحة العالمية لحوار الأديان.. لو نسلط الضوء على هذه الجائزة؟ وما هي معاييرها وأهدافها؟ وما قيمة الجائزة؟
تم إطلاق جائزة الدوحة العالمية لحوار الأديان في 2013، والتي نعتبرها المبادرة الفريدة من نوعها في هذا المجال، على مستوى العالم العربي – على الأقل حسب تقديرنا – وكان الهدف من هذه الجائزة دعم وتشجيع جهود ومبادرات الأشخاص والمؤسسات التي كان لها أثر بارز ومستدام في تعزيز الحوار وترسيخ ثقافة السلام، ويُشرف على الجائزة لجنة أمناء الجائزة، وهي لجنة متخصصة من علماء دين (مسلمين ومسيحيين ويهود)، بالإضافة إلى مسؤولين من المركز، وتختار لجنة أمناء الجائزة المحكِّمين من خيرة المتخصصين في مواضيع الجائزة من كل أنحاء العالم. أما موضوع الجائزة فهو دائما ما يكون متطابقا لعنوان المؤتمر السنوي، كما يكرم الفائزين بالجائزة خلال حفل افتتاح المؤتمر.
أما عن الجائزة في دورتها القادمة وهي جائزة الدوحة العالمية الرابعة لحوار الأديان فموضوعها: (إسهامات بارزة في نشر ثقافة الخطاب المعتدل) ومقرَّرٌ منحها في مؤتمر الدوحة الرابع عشر لحوار الأديان، وسوف يتم اختيار الفائزين بالجائزة بناء على إنجازاتهم في نشر ثقافة خطاب الاعتدال، والتقريب بين الشعوب وأتباع الأديان المختلفة، ودحض خطاب الكراهية والتحريض والتمييز والعنصرية والتطرف والإرهاب.
للاطلاع على الحوار في موقع جريدة لوسيل الرجاء الضغط هنا
Sorry, the comment form is closed at this time.