07 يوليو كلمة الد كتور النعيمي، في الجلسة الختامية لمنتدى أمريكا و العالم الإسلامي 2014
“وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”(12-107)
هذه الآية الكريمة من سورة الأنبياء توضح ان الرحمة التى تتجلى في جميع جوانب حياة المسلم، وسعادة الإنسانية جمعاء، كما شملت جميع المخلوقات .
علينا أن نذكر أنفسنا في نهاية هذا اللقاء الهام الذي جمع طيفاً واسعاً من المثقفين والناشطين من جميع أنحاء العالم أن الحوار بين أتباع الإسلام مع “الآخرين” بما في ذلك أوروبا وأمريكا ليس وليد اليوم، بل عرفه المسلمون منذ اليوم الأول لعهد النبوة وجرت ا العديد من الحوارات بين النبي محمد صلى الله عليه و سلم مع غير المسلمين ، وهذا ما أصّل بعد ذلك لبناء إطار حوار مع الأمم الأخرى . ومن المهم أن نسلط الضوء، في ما يتعلق بالحوار بين الإسلام والغرب، سواء في العصور الوسطى أو العصر الحديث، و نبرز التصورات الإيجابية الذي نجدها لدى المفكرين الغربيين وبالذات الشعراء كأمثال إيميرسون في الولايات المتحدة الامريكية وغوته في المانيا عند تطرقكم للقرآن الكريم .
ومقابل ذلك كانت هناك حملات مستمرة سعت لنشر تصورات سلبية طالت شخصية النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، وسعت للاستخفاف بالدين الإسلامي وتراثه. وهذه المحاولات تظهر جلية عبر تاريخ الأدب الغربي بدأ بكتاب “الفردوس المفقود” لميلتون، إلى حكاية “الدجالين الثلاثة” و”آيات شيطانية” حديثاً؛ وتشترك هذه المؤلفات في سعي نقل تصورات سلبية وغير منصفة عن نبينا محمد صلى الله عليه و سلم. و بالتالي هذه النظرة التاريخية السلبية تجاه الإسلام ونبيه تعبر بما لا يضع مجالا للشك عن الموقف الغربي الرافض للآخر، الذي يمثله الإسلام، بتصنيفه كجهة مناوئة له، وهذا الموقف كانت تتبناه السلطة والكنيسة على حد سواء.
ومن الأهمية بمكان أن نذكر مراراً وتكراراً أن الأديان ورّثت لنا نماذج رائعة علمتنا أن الخطوة الأولى على طريق الإيمان الخالص تبدأ بالضرورة بالتخلص من التحيز والأحكام المسبقة ضد إخواننا من بني البشر.
هذا هو الأساس لبناء حياة تقوم على القيم الأخلاقية. لذا علينا أيضا أن نتخلص من النظر باستعلاء أو ازدراء تجاه إخواننا وأخواتنا الذين يشتركون معنا بالإيمان، باعتبارهم أقل نضجاً وتطويراً منا فكرياً وجسدياً أو اقتصادياً . وهذا هو أيضاً نقطة الانطلاق لتكوين شعور بالانتماء إلى الأمة الواحدة.
أود أن أذكركم، من ناحية أخرى، أن الإسلام الذي يمثل مشروعاً ينشد التغيير المجتمعي على أساس من الأخلاق والعدالة قد جلب البغضاء على النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، من كثير من المناوئين لهذه العملية.
ودولة قطر تحاول الاستلهام من الهدي النبوي الشريف في سياساتها و مواقفها من مجريات الأحداث في المنطقة وعبر العالم . ولذا تسعى في الأساس لإرساء دعائم التعايش السلمي وحسن الجوار مع المجتمعات المختلفة، وترى أن مساعي المصالحة متى كانت ممكنة فهي الحل الناجع لحل الخلافات.
في ما يتعلق بالأوضاع في سوريا وفلسطين موقف قطر واضح دائماً ألا وهو دعم تطلعات الشعوب حتى لو كانت تلك التطلعات تصطدم بإرادة الحكام أو المحتلين في تلك البلدان، كما نعتقد أنه لا يوجد طريق مختصر للتعامل مع التطرف إلا من خلال معالجة الظلم في المجتمع.
و قناعتنا أنه بات من ضروري التصارح و الحوار بين الشعوب و السلطات القائمة للوصول إلى حلول توافقية. وهنا فنحن نناشد خواننا المسلمين أن لا يحيدوا عن الأخلاق الإسلامية التي تمثل الاعتدال، وهذا هو الطريق الذي اختارته قطر لنفسها وهي ماضية فيه. إن قطر تعمل بإستمرارعلى تطوير استراتيجيات تسهم في نزع فتيل الأزمات وتسهيل المصالحة بين الأطراف المتنازعة، وقدمنا هذه التسهيلات في ليبيا وأفغانستان وجمهورية أفريقيا الوسطى وبلدان أخرى . لكن في حقيقة الأمر، نؤمن بأن الحلول الحقيقية هي في أيدي الشعوب أنفسها، كما أن القوة الخارجية لا تستطيع أكثر من تسهيل السلام والباقي يقع على عاتق الدول.
إذا عدنا إلى الشاعر الأمريكي ايمرسون، نجد أنه يقدم صورة منصفة عن النبي محمد صلى الله عليه و سلم وصورة مغايرة عما يقدمها الكثير من النقاد المعاصرين الذين يزعمون أنه رجل عنف ؛ حيث يصف إيمرسون النبي محمد صلى الله عليه و سلم على أنه يتميز “بضبط النفس” : ويتابع : “كل لحظة رائعة ومشرقة في تاريخ العالم هو بسبب الإنتصارعلى النفس وانتصارات العرب بعد (محمد)، الذين استطاعوا، في سنوات معدودة ، وبإمكانات متواضعة، إقامة إمبراطورية أكبر من تلك التي شيدتها روما، هو لأوضح مثال “. وهنا يؤكد ايمرسون بأن انتصار الإسلام لم يكن بسبب “السيف” والحروب التوسعية العنيفة، وإنما كان بسبب الدعوة إلى الإيمان بالله و الجاذبية والنداء الفطري الذي وجده الكثير من الناس في الإسلام.
إن رسالة الإسلام شاملة، وتهدف إلى إسعاد جميع الناس.وهذا هو ما نسعى إليه هنا في الدوحة من خلال جهودنا للمساهمة في إنشاء مجتمع حديث قائم على المبادئ الإسلامية، وإشراك الخبرات المختلفة والثقافات المتنوعة من مختلف أنحاء العالم . أود أن أشير مرة أخرى إلى نظرية ايمرسون حول “الوحدانية” الواضحة في مقالته “الإفراط في الروح،” و التي يقدم فيها فكرته بأن البشرية يجب أن تكون متحدة مثل “الماء على الأرض، واحد في جريانه، واحد في مده وجزره”.
موضوع الروح هو في الواقع واحدة من المصادر الرئيسية للحقيقة ومحفز للنمو الروحي لدى إيمرسون القائل : ” في أعماق الإنسان تسري الروح المرتبطة بالكون ؛ عبر صمت الحكمة، والجمال الشامل ،و كل جزء وجسيمات الكون هي على قدم المساواة ذات الصلة، واحد أبدي”. فلنسرد في نهاية اللقاء هذه القصيدة لغوته، الشاعر الألماني الشهير الذي قدم نظرته المتعلقة بتحالف الحضارات، منافيا بذلك فكرة تصادم أو صراع الحضارات:
الله هو في الغرب
الله هو في الشرق
جزر شمال وجنوب
راحة في يديه السلام و من المحتمل أن هذا المقطع من القصيدة مستوحى من الآية القرآنية من سورة البقرة 2:115 “ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم.”
وقبل الختام أود أن أسلط الضوء جزئياً على عمل مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان الذي ظل يواصل عطائه منذ نشأته عام 2007 في بناء جسور التفاهم والتعاون وتعزيز التعايش بين أتباع الديانات المختلفة على المستوى المحلي والإقليمي وعبر العالم. ومن ضمن نشاطاته المتعددة أن المركز استضاف المركز حتى يومنا 11 مؤتمراً سنوياً ، يجتمع فيه ممثلو أتباع الأديان السماوية الثلاث وخبراء وأكاديميون ومهتمون لمناقشة القضايا والتحديات التي تعتري مسيرة التعايش والحوار بين أتباع الأديان المختلفة . كما تطرقت المؤتمرات إلى مواضيع عدة من بينها تمكين الشباب، ووسائل الإعلام الاجتماعية، وحرية الدين والتضامن والتعليم وحل النزاعات .
Sorry, the comment form is closed at this time.