09 مارس هل يلتقي مسيحيو 8 و14 آذار على تأييد
إذا كان يتعذر تحقيق وحدة الصف بين اللبنانيين ولا سيما بين المسيحيين لأسباب شتى، فهل في الامكان تحقيق وحدة الهدف بعدما وضعت اللجنة المشتركة لكنائس لبنان “شرعة العمل السياسي” في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان اطارا لها؟
لقد ركزت الشرعة على “لبنان الوطن والكيان، ولبنان السيد الحر المستقل النهائي لجميع ابنائه، وواحد ارضا وشعبا ومؤسسات في حدوده المعترف بها دوليا، عربي الهوية والانتماء، كعضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، وعضو مؤسس وعامل في منظمة الامم المتحدة وملتزم مواثيقها، والاعلان العالمي لحقوق الانسان. وهو جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمايز او تفضيل، وعلى الشعب كمصدر للسلطات وصاحب السيادة، يمارسها عبر المؤسسات الدستورية. ارضه واحدة لكل اللبنانيين، فلا فرز للشعب على اساس اي انتماء كان، لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. كما ركزت الشرعة على “الدولة المدنية الديموقراطية والتمسك بمبادئ الحوار وحل الخلافات في اطار المؤسسات الدستورية ورفض الاحتكام الى اي شكل من اشكال العنف والصدامات المسلحة تحت اي ذريعة او سبب، والاعتماد على الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي وحدهما للمحافظة على امن المواطنين والاستقرار، والامتناع عن استعمال عبارات التحقير والاذلال في المخاطبة وعن اثارة الاحقاد والنعرات الطائفية او الحزبية او الفئوية او الشخصية، والابتعاد عن سياسة المحاور الاقليمية والدولية وعدم التمحور في احلاف خارجية تخوض صراع مصالح ونفوذ على ارض لبنان وعلى حسابه، مع الحرص على الانفتاح مع محيطه والعالم، والتعاون مع منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية على تحييد لبنان وتعزيز قدراته الدفاعية بحيث يكون بلدا نموذجيا للحوار الديني الثقافي العالمي ومنفتحا على جميع الدول وملتزما قضايا المنطقة والعالم في كل ما يختص بالسلام والعدالة، وتحقيق اللامركزية الادارية الموسعة ومحاربة الفساد من اجل بناء دولة الحق الشفافة، وتنظيم العلاقات بين الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية وايجاد حل لمشكلة السلاح داخل المخيمات وخارجها وحصر السلاح بالقوى الشرعية اللبنانية”.
والواقع ان “شرعة العمل السياسي” في ضوء التعليم المسيحي وخصوصية لبنان” التي اعلنت في مؤتمر صحافي تكمل مضمون السينودس من اجل لبنان ومقررات المجمع البطريركي الماروني ومؤتمرات البطاركة والاساقفة وتجيب باسم الكنائس مجتمعة بصراحة ووضوح عن سؤال مزمن: “اي لبنان نريد؟”، وبات مطلوبا من الزعماء السياسيين ان يجيبوا بدورهم عن هذا السؤال بتأييد هذه الشرعة او معارضتها او بابداء ملاحظات عليها توصلا الى تحقيق وحدة الهدف والموقف حيال لبنان الذي نريد.
لقد بدأت تصدر عن الاحزاب والشخصيات مواقف ترحب باعلان هذه الشرعة وتدعم مواقف البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير وتلتقي على تأييد ما جاء فيها ولا سيما تحييد لبنان عن الصراعات المسلحة، وتطبيق القرار 1701 وان يكون السلاح على كل الاراضي اللبنانية في كنف الدولة، وضبط السلاح الفلسطيني داخل المخيمات الفلسطينية وازالته خارجها.
فهل يلتقي مسيحيو 8 و14 آذار على تأييد “شرعة العمل السياسي” التي صدرت عن الكنائس مجتمعة، فيلتقي عندئذ المجتمع الديني مع المجتمع المدني في تأييدها، ويعمل الجميع من خلال مجلس النواب الذي ينبثق من الانتخابات النيابية المقبلة والحكومة العتيدة على تنفيذ بنود هذه الشرعة اذا ما التقى الجميع عليها، بحيث تتحقق عندئذ دعوة الرئيس ميشال سليمان في المحافل العربية والدولية الى ان يكون لبنان مركزا لحوار الاديان والحضارات والثقافات؟
لقد عانى لبنان الكثير، وعلى مدى قرون من صراعات المحاور العربية والاقليمية والدولية على ارضه، وحان له ان يرتاح من تداعيات هذه الصراعات بتحييده عنها، لانها تقود باستمرار الى الاستقواء بالخارج واستدراجه الى الداخل. وليس سوى تحييد لبنان عن هذه الصراعات وعن المحاور الخارجية والداخلية ما يثبت العيش المشترك بين اللبنانيين ويطوره ويعيد الاعتبار الى النموذج اللبناني الذي لا يستمد اهميته من تجاوز طوائفه بل من تداخلها وعيشها المشترك اللذين يجعلان المجتمع اللبناني بيئة استثنائية للعيش معا، بحيث يستعيد لبنان دوره التاريخي في تطوير المنطقة والمشاركة في بناء نظام عربي جديد منفتح على العالم. وقد ارتسمت آفاقه بمبادرتين تاريخيتين: مبادرة السلام العربية ومبادرة حوار الاديان والثقافات. وهذه المبادرة الاخيرة يعمل سياسيون ومفكرون وديبلوماسيون على مشروع حل للبنان تعتمده الامم المتحدة وتصدر قرارا في شأنه. والسفير فؤاد الترك هو من بين من يعملون على ذلك لانه يرى ان لبنان عاش على التسويات منذ عام 1943 وعلى هدنات بين حروب وحروب وليس على حلول نهائية تؤمن له ولشعبه الامن والامان والاستقرار، لان لبنان لم يعد يتحمل التسويات الموقتة.
ويقول السفير الترك في هذا الصدد ان الحل هو في ان يتفق الجميع على اي لبنان نريد، لان كل طرف يريد لبنان وفق مزاجه. منهم من يريد لبنان عربي الوجه او عربيا صافيا، ومنهم من يريده عربي الهوية والانتماء ومنهم من يريده مسيحيا او مسلما، ومنهم من يريده فيديراليا او كونفيديراليا، ومنهم من يريده هانوي ومن يريده هونغ كونغ.
ويضيف: ان اهمية لبنان تكمن في دوره في العالم وليست مساحته او عدد سكانه، وهذا الدور هو ان تعتمده الامم المتحدة مركزا دوليا لحوار الثقافات والاديان في العالم بموجب قرار دولي شأنه في ذلك شأن الاونيسكو في باريس والفاو في روما. هذا هو الحل المنشود اذا ما اتفق الجميع على تحييد لبنان عن جميع الصراعات وجعله ملتقى ومقرا للحوار بين الاديان والحضارات. وهذا ما دعا اليه الرئيس سليمان في الامم المتحدة وفي مؤتمر الفرنكوفونية في مونريال وفي المؤتمر الذي دعا اليه العاهل السعودي، وتابع عرض هذه الفكرة امام السلك الديبلوماسي في لبنان. وقد صار الترحيب بها من مختلف الاطراف في لبنان وهو يرى ان الوفاق الداخلي متوافر حولها وقد لمس حماية لها من الرئيس نبيه بري الذي اشار اليها في احد خطاباته، ويبقى ان يتبنى مجلس الوزراء الفكرة كي تعرض على هيئة الامم المتحدة للتصويت عليها حيث يكون في امكان لبنان الاستفادة من نفوذ المتحدرين من اصل لبناني من اجل التأثير على حكومات البلدان التي يعيشون فيها، وهذا ما تؤكده تجارب عديدة كانت هذه الدول تصوت الى جانب لبنان.
ان فكرة الحياد الايجابي باتت فكرة تحظى بتأييد عدد من الزعماء السياسيين والروحيين لانها المدخل الى استقرار لبنان، لئلا يظل لبنان كما جاء في مقال لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط “مساحة بل دولة مثل سائر دول العالم لا يتم استخدامه لتصفية اية صراعات اقليمية او دولية على ارضه”. وكما قال عضو الحزب النائب اكرم شهيب في محاضرة له جوابا عن سؤال: اي لبنان نريد: “ان لبنان يعاني من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية، وهو يحتاج الى الاستقرار والهدوء كي يستطيع بناء نفسه وهو يحتاج الى استمرار تعاونه مع محيطه العربي والدولي”. ورأى ان مشروع الدولة يقوم على: “حصرية قرار استخدام السلاح بيد الدولة، وان شؤون الدولة خاضعة لأصول النظام الديموقراطي اي اكثرية واقلية. فالعالم يعيش مرحلة انكماش اقتصادي ولبنان سيصاب بمشكلة خصوصا اذا اقترن بوضع امني متوتر وتعطيل آلية عمل مؤسساته، مما يؤدي الى نمو التطرف والحركات الاصولية. فبقدر ما يقترب اللبنانيون من القناعة بأهمية حماية نظامهم الديموقراطي، بقدر ما يوفرون على انفسهم احتمالات التوتر والتفجير. فالدولة الضعيفة ضعف للجميع والقوية سند للجميع”.
اميل خوري (النهار)
Sorry, the comment form is closed at this time.